قراءة في نص (شقوق نهر مسن ) للشاعرة ميسون الارياني / جوتيار تمر


شقوق نهر مسن
 قراءة جوتيار تمر
 
تبرز الصورة الشعرية المتوحشة من خلال العنوان ، وهذا التوظيف اللغوي المعبر عن مدى التصدع الحاصل في الذات الشاعرة ، بحيث تستعين ب(شقوق ) لتبدأ به نصها ، ومن ثم ترفقه ب (نهر ) كتعبير عن الاستمرارية والحيوية ، الذي دائما ما يتأثر بفعل الطبيعة ، وتقلباتها ، وعلى ما يبدو ان الشاعرة ادركت ماهية الفعل هذا ، فاوحت بالزمنية كعلة أساسية للفعل الأول الحاصل .

ستقص للفرح المؤجل حلمنا
وتقدّ في الأطيار خاتمة الذين تسربوا
بالطهر في دمنا
تؤبن زهرة الطاغوت مملكة
تضم سديمها بالعشق
_ نفضح شجوها بالخوف والرقيا_


السين حرف تنفيس للمستقبل القريب ، لكونه تنفس في الزمان فيصير الفعل المضارع مستقبلا بعد احتماله للحال والاستقبال ، وهنا نرى شاعرتنا تستعين بأمرين فعالين في مدخل القصيدة ، الفعل المضارع المسبوق بالسين ، كدلالة واضحة على الزمنية الحاضرة وبقوة منذ الوهلة الاولى في النص ، هذه الزمنية تتمثل بالآنية القائمة جراء تأثير الفعل المسبق والتارك اثره والمؤدي الى ردة الفعل من جهة ، وكذلك المستقبلية المفعمة بالحضور الذهني في النص من جهة ثانية والتي تمثلت أولا باستخدام حرف السين ، ومن ثم الحلم المؤجل المعبر بوضوح عن الاتي ، واستكمالا لعقد المستقبلية هذه التجأت الشاعرة الى مداليل تحمل في سياقها تعددية الإيحاء ، فجاءت اللغة هنا مكلمة للبلاغة التصويرية المستفزة ، فاحالتنا الى ثنائية رائعة في مشهدها الاخير ، بحيث رغم توحش المعاني الا انها توحي بالكثير من التماثل الوجودي ، المتمثل بالفرد ضمن اجتماع ، وهذا الاخير محفور ضمن ذاكرة مليئة بالخوف والتوجس ، وكأني بالشاعرة تحاول حفر واقعها / الارضي / الترابي ضمن سياق تسلسلي تاريخي لتبرز الحال وما قد تؤول اليه .

الريح يا أماه فاتنة تشد وثاقنا الأزلي
بالمطر المسجى في الضياع
والورد يا أماه محرقتي
وذاكرة تباكت في الجنان السمر
تطبع بالجوى الإنسان

هذا الحضور المكثف للذات الشاعرة في النص ، خلق محاكاة رهيبة بين الكلمة والذات نفسها ، فكأننا في التحام وامتشاق تام بينهما بحيث تصير الكلمة الشاعرة ، والشاعرة الكلمة ، وهذا ما يفسر هذا الحضور المكثف للذات في النص ، الريح التي سبقت النداء تفيد امرين مهمين يجب التوقف عندهما ان اردنا تفكيك النص ، الاول كونها تمحل دلالات مفيضة يمكن تأويلها حسب الظرفية التي كتبت الشاعرة فيها النص ، وهذا ما يعبر به عن الجواني ، وللريح على المدى البعيد دلالة استمرارية وكسر للحواجز ، والثاني كون الريح جاء مقترنا بالنداء ، وهذا الاقتران جاء وفق رؤية تكاملية وليس من حيث التوجيه ، أي ان النداء ليس موجها للريح ، انما ما وجه اليه النداء كان الهدف منه ايصال فكرة الريح وماهيته اليها ، وهنا لم تجد الشاعرة غير الام كمحور يتشكل حوله ماهية الفعل الذي يترك اثره جراء الريح ، ولهذا نجد افعالا تظهر لنا الحالة النفسية والذاتية للشاعرة نفسها ، وكأن القيدية والحتمية هما يمثلان واقعها الملحوظ ، فاحالتها الى الضياع ، حتى لم يعد الورد نفسه يمثل لها غير محرقة تضاف الى محارق شد الوثاق والضياع ، وهنا نرى بأن الشاعرة التجأت الى اللاوعي والذاكرة من اجل سبر اغوار الزمنية الكاملة في الماضي والحاضر والمستقبل ، وجميعها تحمل تواتراً مليئا بالقسوة والتوحش الوجودي الانساني .

والسرمد المطوي يا أبتي
بقايا من صدى رئتي
وشمس تشتهي غسقا يلملم قلبي المكسو بالنسيان
والباب ينكر وجهة الموتى
يهز أيائل اللحظات
بالتوراة.

الواو في المقطع هذا يحفر على تعددية التأويل ، وذلك من خلال الايحاء بالاستنئافية في البداية ، لكونها مهدت لنداء اخر ، وجِه هذه المرة للأب ، ضمن اطار زمني حتمي ، وصفت بلغة مثلت الذات الشاعرة في تكوينها الزمكاني الحال ، مستعينة بالواو نفسها لعطف الحالة على البراني المتمثل بالمسبب في الحال ، وفي هذا دهاء من الشاعرة ، بحيث تجبرنا على التقصي ضمن اطار تاريخي عميق من اجل الوقوف على مسببات الحال وموجباتها في آن واحد .


يعبق زهونا,
فنعود للقدر العتيق لنصطلي
بالحزن
دون أهلة للارز
تسعف ظلنا المنسي,
تؤوي موتنا
للضوء!
هذا اليأس المطلق الذي وقعت الشاعرة فيه ، بلاشك لم يأتي من فراغ ، ولم اشأ ان ادخل الاسماء والتكوينات الاجتماعية والقابها ضمن اطار الرؤية هذه ، لكوني اردت منذ البدء تجنب الاحالة الى مصدر دون الاخر ، لأن ما وصلت اليه نفسية الشاعرة ، من خلال رسمها البياني اللغوي ، يفضح البراني اكثر ما يعيق اندماج الجواني بالحدث القائم نفسه ، وفي هذا ايحاء واضح الى المستقبلية الاتية ، وماهيتها ، والى التركيبة النفسية التي ننتمي اليها ، فالقدرية التي نحيل اليها كل امورنا من جهة ، ومن ثم ملكة النسيان التي نملكها ، يجعلان منا عرضة لكل اهتزازات الكون ، والموت انما تعبير مجازي لِمَ نحن عليه ، وهو مباشر لِما سنؤول اليه ، حتى وان بزغ الشمس لاكثر من مرة في موعدها .

0 التعليقات:

Twitter Updates