قراءة في نص (في القبعة ينام قوس قزح*) أحمد ناجي أحمد**





النص : (في القبعة ينام قوس قزح)
كل شيء في هذه السماء يشرح لك كيف تموت
فلماذا تستمر بتكرار اسمك؟
لا حاجة أن تلبس صوتك النظيف
وقبعتك الفواحة
لا حاجة أن تدندن بصوت لا يخصك
بحنجرة رمده
لا حاجة أن تأكل قلبك
وتدخن سيجارة أفيون كبيرة
يكفي أن تقذف بي بعيدا
متشبثة برائحتك الضجرة
وتستمر بالوقوف ساخطا على السماء

\ حين تعرض عنك \

يكفي أن تتفوه بكلمة :
"تبا"
ليستقيل قوس قزح
ولا تموت وحدك
أو هكذا تظن بأن السكينة تتسع فقط لاثنين منك
أحدكما شاعر
ترك صبحه مفردا

ليصدأ..

والاخر فيلسوف
حطم رقعة الشطرنج
وغرق بالموسيقى..
هذا ما قالته العصافير
قبل أن يستيقظ العالم!
الشعر عند ميسون نمط من التجريب العميق في بناء نص مغاير وجذاب، مغاير لمألوفنا لا من حيث شكل القصيدة فحسب ،ربما يكون الشكل مألوفا بمقاييس الوعي الجمعي المتلقي لهذا الفيض الأبداعي المتدفق من شاعرة سبقت زمنها بكثير وأبدعت في كتابة قصيدة تليق بالمستقبل رغم أنها تعيش الحاضر بروعة الأنطلاق من مألوف الشكل في اتجاه تجاوزه للمستقبل، فرادة ميسون تتمثل في التجديد في بنية الفكرة وفي التعامل مع جدلية الموت والحياة، الحب وحرية الذات والأخر، الفلسفة والفرادة في التعامل مع موضوعات فلسفية مثل الموت والحب بلغة شعرية آَسِرةٍ ومدهشة تجعل القارىء يجمع بين جلال المفهوم والرؤية وجماليات الصورة الشعرية التي تُُعِيد تشكيل الوجدان في حضرة الشعر بحيث يستمتع القارىء بروعة هذا الإبحار في النسق الجمالي لقصيدة هي دهشة هذا التواصل مع البنية المعرفية والجمالية والفلسفية في محيط الأنعكاس الجمالي لهذه الرؤية في سياق النص الشعري الذي أعتقد جازما أنه يحمل طابع التجديد والمغايرة ثمة صوت شعري هو الذات "الأنثوية" وهي تحاور الأخر الذي يترنح تحت سقف الموت لأنوثة الحياة  ولكنه ليس موتا كليا بل على العكس موت يسمع ويرى وينطق ويقاوم الأنطفاء الكلي لذلك يلبس صوته النظيف وقبعته الفواحة ويدندن بصوت لا يخصه ثمة مشاعر مكثفة وغنية وعميقة نرى فيها الذات والأنوثة تتحدى الموت وتعلن الخصومة بل والأفتراق والبعد في سياق يتصل بانكسار عميق وموت مؤكد ليس للأخر ولكن لحقل رؤية الذات له الذات هنا هي الأنوثة في أبهى صورها وأرقى تجليات اكتمالها ونضجها وتحديها الذي يتنامى حتى يبلغ ذوته في هذا السيباق الفريد يبلغ ذروته في هذا السياق الفريد
كل شيء في هذه السماء يشرح لك كيف تموت
فلماذا تستمر بتكرار اسمك؟
لا حاجة أن تلبس صوتك النظيف
وقبعتك الفواحة
لا حاجة أن تدندن بصوت لا يخصك
بحنجرة رمده
لا حاجة أن تأكل قلبك
وتدخن سيجارة أفيون كبيرة
يكفي أن تقذف بي بعيدا
متشبثة برائحتك الضجرة
وتستمر بالوقوف ساخطا على السماء

\ حين تعرض عنك \]

لِلذَّاتِ السماء حين تبدو مرادفا موضوعيا لأشواقها وللأخر أن يستظل تحت سقف دهشتها دون أن يمتلك مقدرة الوصول لها للسماء الحياة وللآخر الموت للأخر المحمول بعجز روآه أن يكف عن هذا التعلق بهذا السقف الذي يعجز عن الوصول إليه وهو سقف الحياة والحب والأنوثة ولهذا فإن الحبيبة تطالب هذا الوعي المتجمد في فضاء العجز أن يقذف بها بعيدا حتى تكون بعيدة عن رائحته المنتة وطيفه الثقيل إنها لحظة الأفتراق بين قيم الحياة والموت بين الذات والأخر يغدة الموت نمطا من الحياة العاجزة الذليلة القابعة في هذا الحضور الثقيل على القلب لهذا العاجز عن البلوغ بذاته المنهكة ذروة العروج في مقامات السفر إلى سماء المحبوبة ولأن الأمر كذلك فإنَّ النص يتطوع في صياغة سيكلوجيا الأخر على نحو يواجه فيه العجز بالصراخ والفشل بالشتيمة [\ حين تعرض عنك \

يكفي أن تتفوه بكلمة :
"تبا"
ليستقيل قوس قزح
ولا تموت وحدك] هو سقف الأنحطاط ومناخ الوعي المأسور بهذا العجز القاتل وطيف الصراخ المنتن والثقيل [\ حين تعرض عنك \

يكفي أن تتفوه بكلمة :
"تبا"
ليستقيل قوس قزح
ولا تموت وحدك]

الموت لأخر هو موت كلي لنمط التفكير الذي يسمه بالجمود ويمنح طيفه هذا النتن البغيض في لحظة كهذه تمنحنا القصيدة فضاء الدهشة حين تغوص في الذات وترى الأخر بريشة الفنان وروعة التأمل العميق لذاتين الأولى الأولى للشاعر الذات الأنوثة التي تركت الأخر يعيش منفردا وتركت صبحه وحيدا ليصدأ والأخر الفيلسوف من حيث هو ذات أخرى حطمت رقعة الشطرنج وأحالت مدائن العشق إلى خراب وذلك لأنَّ الخراب والموت كان في ذهنه وتفكيره قبل أن ينتقل إلى سياق علاقته بالحبيبة ثمة دهشة لا يساويها سوى روعة الأبحار في هذا الطقس الفريد من التأمل لجلال وجمال هذا النص المتع والبهي [أو هكذا تظن بأن السكينة تتسع فقط لاثنين منك
أحدكما شاعر
ترك صبحه مفردا

ليصدأ..

والاخر فيلسوف
حطم رقعة الشطرنج
وغرق بالموسيقى..
هذا ما قالته العصافير
قبل أن يستيقظ العالم!] 

هكذا تختزل الشاعرة نهاية هذا الجمود بالموت ولكن دون أن تفقد روعة الأحساس الجميل الذي ينطلق من رؤية مفادها أن العلاقة بين الذات والأخر وكذا موضوع الحب ليس سفرا في مقام الخراب ولكنه غرقا في موسيقى الأشواق بكل ما يكتنفها من توتر ودهشه ونجاح وإخفاق وموت وحياة موت ليس كأي موت وفشل ليس كأي فشل ولكنه فناء في طقس النشيد وروعة الموسيقى للذات العصافير وللآخر هذا العالم الذي تريد منه أن يستيقظ هكذا تنحاز الشاعرة لحياة وتعيد ترميم الأخر المنكسر والمهزوم وتطلب منه فقط أن يستيقظ تلك إذا ذروة الأشواق وسقف النشيد وسماء الرؤيا المحلقة في مقام الضوء والمغايرة والمتميزة في كتابة نص أقسم أنه يتملكني ويمنحني اليقين أن شاعرة بحجم ميسون تستطيع أن تعيد الثقة بأن بمقدور الشعراء  أن يمنحو القصيدة الجديدة قدرة التميز ودهشة الأقتدار وروعة البناء لنص ابداعي يستحق أن يكون متميزا ومغايرا وحداثيا ويشكل اضافة حقيقية لرصيد الحوار مع الأخر ورصيد الأسهام اليمني في تطوير القصيدة الجديدة شكرا ميسون كل هذا الضوء المنبثق من حرفك الجميل وقصيدتك البالغة الثراءوالروعة

*المجموعة الشعرية  "مدد" ،ص10 
 ** شاعر وناقد

0 التعليقات:

Twitter Updates