لا أعرف كيف يبدو ركنه الأيسر من مكتب قسم العلاقات العامة لكلية الإعلام, يخيل لي بأنه بارد و مظلم كأحد أفلام الخمسينات بالأسود والأبيض.
ذلك العراقي الدافئ القلب, اليماني الهوى, العميق الإنسانية الذي غادرنا في الرابع عشر من شهر إبريل متوجها إلى أمريكا بعد أن امتزجت روحه بأرض اليمن منذ أوائل التسعينات فأحبها وأحبته, تاركا خلفه الكثير من الذكريات والكثير من العمل الذي بذله من اجل طلاب الجامعة و الساحة الأدبية والتشكيلية ,حيث كان رافدا مهما من روافد إشعالها ادبا ,إبداعا وأملا ..
كان يستقبلنا الدكتور حاتم الصكر بابتسامة رائقة, مرحبة و محبة مادا كفه للسلام قائلا :والله زمان ما زرتينا ..!
كنا نشعر بتقديره وترقبه سواء كنّا من طلابه أو ضيوفه من الشعراء والفنانين على حد سواء , في كلية الإعلام ذلك المبنى المتهادي الذي كان يلونه وجود الدكتور حاتم فيه..ويزيد تعلقنا بزيارته صلابة .
حقا لقد فقدنا وفقدت جامعة صنعاء كنـزا كبيرا ومهما بمغادرته إياها.
كان الدكتور حاتم من أكثر الناس الذي اختلفت معهم في رؤاهم بخصوص الشعر, لكني كنت أتفق دئما في مدى عشقنا للقصيده بكل امكانياتها..
لا تزال صور من حفل توقيع ديواني (سأثقب بالعاشقين السماء) تمر في قلبي بين الحين والاخر ,قراءته الجميله الذي ركز فيها على مفهوم فقداني لتعيين النصي ,أتذكر حنقي مما قيل كما سائني استقباله لمجموعتي الشعرية البكر بهذه القراءة القاسية في وقت يخيل للشاعر فيه بأن الكون كله ينتظر كتابه بشغف وترقب .. _بالمناسبة ما أزال لا أدرك معنى التعيين النصي حتى الان..!_
أتذكر قراءته التاليه لنص "حطي على كتفي تنكربل" وحنقي الذي تبعها كذلك.. ثم استعراضه لمجموعتي "مــدد" في الإتحاد الإمراتية والتي بدأنا من خلالها نصل لمرحلة اتفاق ما , لكن برغم كل هذه الذكريات الثمينة لا انكر أني أشعر بالخيانة لرحيله هكذا دون أن تتاح له الفرصه لوداع أحد, ودون أن تتاح لنا الفرصة كأصدقاء,كطلاب أو مبدعين لإقامة حفل وداع يلق به. بهذه القامة التي أخلصت في تشجيعنا ودعمنا حتى النهاية..
من قال أن الأستاذ هو الذي يسدي النصائح ويصحح فحسب!
أعتقد خاصة من خلال علاقتي بالدكتور حاتم بأن هذا الكلام ليس دقيقا تماما ,حيث كان بالنسبة لي الأستاذ الذي أشعر بترقبة لجديد خطواتي , منافسي وعدوي أيضا..!
كنت أترقب اليوم الذي أهزم فيه نظرياته الشعرية والنقدية, ليعترف بأني خارجها دون أن ينكر فعل القصيدة بين أصابعي ,لقد رحل الدكتور حاتم دون أن يعترف بذلك !
وهذا ما خلق مرارة في نفسي بعض الشيء, لكني ما أزال أؤمن بأن المكان والزمان هما الفضاء الذي لا تتوقف عند حده القصيدة . لا زلت أعول على مراقبته واعترافه بما جاء أعلاه في يوم ما ..
لا زلت أتمنى لو أنه ودعنا وسمح لنا بالتعبير عن مدى شكرنا وتقديرنا له كإنسان ومعلم أيضا.
شكرا يا دكتور شكرا كما لا يحتمله بياض الصفحة ,سيظل اليمن بيتك ووطنك مهما تأخرت, وسيبقى وجودك في قلوبنا عطرا وشاسعا بحجم القصيدة..
*شاعر وناقد عراقي
*البلاد السعودية
الأربعاء 4 مايو 2011م
0 التعليقات: