عن الشاعرة ميسون عبد الرحمن بن يحي الإرياني , صفاء وعذوبة شعرية\ مطهر علي الإرياني


عن الشاعرة ميسون عبد الرحمن بن يحي الإرياني

 صفاء وعذوبة شعرية


إن في اليمن لشاعرات مبدعات يحملن منذ البداية أصواتهن الشعرية الواضحة ويبرزن هوياتهن الإبداعية  المتميزة.

والشاعرة ميسون الإرياني واحدة من هؤلاء, حتى يمكن القول:إن عبارة شاعرة واعدة تغمط حضورها الشعري القوي, منذ أول مجموعة شعرية لها بعنوان (سأثقب بالعاشقين السماء).


بعد أن سلم لي والدها الذي يصح لي أن أدعوه :"الولد" – عبد الرحمن يحيى الإرياني هذه المجموعة لإبداء الرأي لم أكد أقطع شوطا في قراءتها حتى عجبت أن يكون أول صوت أسمعه لهذه الشاعرة على هذا المستوى من الصفاء والعذوبة الشعرية وتعجبت أن لا يكون هذا الصوت مسموعا على الساحة الشعرية كلها فقد وقفت أمامي الشاعرة "ميسون" من خلال هذه المجموعة , شاعرة متمكنة كأنها قضت ردحا من الزمن واندهشت حينما علمت أنها لا تزال في أول سنيها في الدراسة الجامعية وأنه لم يسبق لها أن نشرت شيئا من شعرها إلا في مجالها الجامعي فحسب ورغم ما عرفته عن عمرها الذي لا يزال مبكرا إلا أن قامة الشاعرة المتمكنة ظلت ماثلة أمامي كلما قرأت شعرها في هذه المجموعة , ولم تستطع طلعة الشاعرة الواعدة – بمقاييسها المعلومة – أن تحل محلها .
وشعر (ميسون ) في المصطلحات النقدية , يندرج تحت مصطلح (الشعر الحديث) , إنه – بكل صدق وتجرد – شعر حقيقي , يمتلك أهم شروطه الإبداعية , ولا يملك من يقرأه إلا ان يردد : يا له من شعر جميل !
إن جماله يأتي من عوالم الشعر البعيدة الغامضة ! ولما كانت الموهبة الفطرية , شرطا أوليا لابد منه للشعر , فإن موهبة الشاعرة من خلال هذه المجموعة , واضحة كل الوضوح ,وخاصة من خلال قصائدها التي اختارت لضبط موسيقاها الخاريجة , الإيقاع ( التفعيلي) , وللقارئ أن يختار أي واحدة من هذه القصائد , ليجد أن تفعيلاتها – على تنوعها – مضبوطة حسب شروطها كل الضبط, ويأخذ بعضها بأعناق بعض فهي منسجمة ومتناغمة من أول القصيدة إلى آخرها, وهذه الموهبة التي تقيم للشعر العمودي أوزانها, وللشعر الحديث موسيقاه .
ثم لما كانت الثقافة والقراءة , وسعة الإطلاع, شروطا ضرورية  لإثراء الموهبة وإغنائها, فإن ثقافة ( ميسون) , تتجلى في مستوى رفيع, لا بالنسبة لسنها, بل قياسا بكثير ممن قطعوا أشواطا أطول, في ميادين الممارسة والإبداع . ويتبقى لها في يدها شرط الإستمرار , سواء من حيث إغناء الموهبة , أو من حيث صقلها بالممارسة , فهي شاعرة متمكنة , وعمرها المبكر كفيل بأن يجعل منها شاعرة كبيرة , لا على ساحة الإبداع اليمني فحسب بل وعلى مستوى الإبداع العربي بصفة عامة .
و تجنبا لللإطالة , فإن ما يجب التنويه به , في شعر (ميسون ), يمكن إيجازه مبدئيا بالنقاط التالية :

1-   1_سلامة اللغة وصحتها , طبقا لقواعد (علوم الآلة ) , فليس في هذه المجموعة في الجانب النحوي والصرفي والبياني , ما يجب تصحيحه وتقويمه. وإنه لأمر محمد لـ (ميسون) في مثل سنها ومرحلتها التعليمية خاصة في ظل ما نسمعه ونقرؤه , في الساحة العربية إجمالا , من الشكاوى التي تلهج بضعف المناهج التعليمية , في تقريب اللغة العربية وتمهيد صعابها , أمام الطلاب وسائر الشباب , حتى أصبحت إجادتها والإلتزام بقوعدها , لا عند الخريجين و المتعلمين فحسب , بل وعند المنتجين والمبدعين , من الأمور الصعبة .
2-    2_سلامة التراكيب اللغوية , وجمالية التراكيب الشعرية  فشعر ( ميسون ) ملتزم إجمالا بسلامة الجمل والتعابير طبقا لقواعد اللغة وعلوم البيان , هذا من ناحية , ومن ناحية اخرى , فإن فيه من التراكيب الشعرية , ما يبدو مخالفا للكتابة التقريرية , ولكنها هنا تراكيب شعرية جميلة , ولا تخل بأسس لغتنا الجميلة , وغاية ما توصف به أنها غريبة , ولكن من قال أن الغرابة غير مطلوبة في الشعر ؟! إن أحسن ما يقال في الشعر من مقولات هو القول : ( إن أعذب الشعر أغربه )


3-   3_ سلامة الموسيقى الداخلية والخارجية , في القصائد المندرجة تحت مصطلح (القصيدة التفعيلية) من حيث سلامة التفعيلات التي اختارتها ومن حيث تنوعها من جانب , وتناغمها من جانب آخر . ثم : سلامة الموسيقى الداخلية أولا, والخارجية ثانيا , في القصائد النثرية , من حيث موسيقية مفراداتها اللغوية , وعذوبتها الشعرية الرقيقة , مما يجعل للقصيدة موسيقاها الداخلية في المفردات , وموسيقاها العامة الخارجيه في تآلف هذه المفردات .

وأخيرا قد يقال أن في شعر (ميسون) غموضا هنا وإبهاما هناك , وهذا يبدو صحيحا. والقضية هنا قضية ذات مجال واسع , ولكن يمكن أن يقال بإيجاز : إن الغموض في الشعر غموضان غموض رهيف , وغموض كثيف . فأما أول فيشبه الضباب الخفيف الذي لا يحجب المنظر الطبيعي تماما بل يشف عنه  ويوحي به , فترى العين منه ما ظهر , ويرى الخيال منه ما خفي , فيتكامل المنظر في العين وفي الذهن , وقد تصير صورة الخيال الذهنية , اجمل من صورة البصر الواقعية . وأما الثاني ,فلا يقع فيه إلا المدعون الذين يقتحمون ساحة الشعر وهم لا يملكون حتى الموهبة الفطرية الأولى أو الإتباعيون الذين يقلدون  ( المدارس الشعرية ) العبثية – وفي هذا العالم عبث وعابثون في كل المجالات - , وما أبعد الشعراء الصادقين من كل هذا .
وختاما , فإن وصف (ميسون) بـ( الشاعرة المتمكنة ) , لا يتعارض أبدا مع كونها ( شاعرة واعدة ) بحكم أن مجموعتها هذه هي أول إبداعاتها التي تعدها للنشر, وبحكم أنها في بداية العشرينات من سني عمرها المديد إن شاء الله .
والوعد يكون على قدر واعده , ومن يكون وعدها على هذا المستوى الشعري القوي الرصين الجميل , والغني بالدلالات على الشاعرية المرهفة والثقافة الواسعة فإنها – بعون الله وتوفيقه- تبشر بظهور شاعرة كبيرة جديدة , لا على مستوى اليمن الموحد الجديد, بل وعلى مستوى ما ينتظر الوطن العربي من مستقبل جديد مجيد أيضا .


0 التعليقات:

Twitter Updates